سوريا بعد سقوط الأسد: آفاق إعادة الإعمار
دعت جمعية الصداقة العربية الألمانية في 25 مارس 2025 إلى محاضرة تلتها مناقشة مع لمياء قدور، النائبة في البرلمان عن حزب ت
...دعت جمعية الصداقة العربية الألمانية في 25 مارس 2025 إلى محاضرة تلتها مناقشة مع لمياء قدور، النائبة في البرلمان عن حزب ت
...الطهي معًا وتعلم اللغة العربية في آنٍ واحد – تجربة فريدة لـ 20 مشاركًا! حظي 20 مشاركًا ومشاركة من دورات جمعية الصداقة
...ببالغ الحزن والأسى، تنعى جمعية الصداقة العربية الألمانية الصحفي أحمد عفاني، أحد أعضائها المؤسسين وصديقها المخلص، الذي
...يُنظر إلى الشرق الأوسط غالبًا على أنه منطقة أزمات وصراعات. كما تواجه المنطقة تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة،
...لماذا تعد دول مجلس التعاون الخليجي مهمة بالنسبة لنا وما الذي يحصنها ضد الصراعات في منطقتها؟
بقلم راينر هيرمان
كان الكاتب
...دعت جمعية الصداقة العربية الألمانية في 25 مارس 2025 إلى محاضرة تلتها مناقشة مع لمياء قدور، النائبة في البرلمان عن حزب تحالف 90/الخضر وعضو مجلس إدارة الجمعية. وقد حملت الفعالية عنوان "سوريا بعد سقوط الأسد: آفاق إعادة الإعمار"، وأدارها السفير السابق وعضو مجلس إدارة الجمعية بيرند موتسلبرغ، حيث جذبت عددًا كبيرًا من المشاركين. كانت الرحلة الأخيرة للمياء قدور إلى سوريا الدافع وراء الفعالية، فقد كانت أول نائبة ألمانية، وربما حتى أول سياسية على مستوى العالم، تزور البلاد بعد تغيير الحكومة وسقوط نظام الأسد حيث كان هدفها الأساسي هو التحدث مع السكان المحليين والحصول على انطباعات مباشرة عن الوضع الراهن هناك. وبفضل جذورها السورية، وإتقانها للغة العربية، ومعرفتها العميقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية هناك، تمكنت قدور من اكتساب رؤى معمقة حول الأوضاع في البلاد. حتى خلال رحلة الطيران، حيث كان العديد من السوريين العائدين للمرة الأولى منذ سنوات أو حتى عقود، بدأت حواراتها مع العائدين لرصد مشاعرهم وانطباعاتهم. كانت أولى محطاتها مدينة دمشق، حيث شعرت بوضوح بروح التفاؤل والتغيير التي تعمّ المدينة. وبات 2 ديسمبر 2024، الساعة 06:18 صباحًا – اللحظة التي سيطر فيها الشراع على دمشق وأعلن نهاية نظام الأسد – يُنظر إليه الآن كيوم وطني. ففي شوارع المدينة، تنتشر لافتات تحمل هذا التاريخ، وأعلام الحكومة الجديدة، وشعارات مثل "FREE"، بينما اختفت صور حافظ وبشار الأسد التي كانت تملأ الجدران، إذ تم إزالتها أو طمسها. ولكن بعد موجة النشوة الأولى، بدأت المخاوف تتزايد، فالحاكم الجديد الشراع يواجه تحديات هائلة، فبعد 14 عامًا من الحرب الأهلية والعقوبات الدولية، يقبع الاقتصاد السوري في حالة انهيار، فالتضخم ينهش القدرة الشرائية وانقطاع الكهرباء حتى في المدن الكبرى مثل دمشق والفقر المدقع والدمار في كل مكان اضافة ألى ان 90% من السكان اليوم تحت خط الفقر، الرواتب نادرة، والنظام الصحي المتهالك يعاني من تفشي الأمراض بسبب نقص الرعاية الطبية.
في الوقت نفسه، تنبض الحياة بالحيوية، لا سيما في السوق المركزي في المدينة القديمة بدمشق. فالمحال التجارية هناك نشطة، ومن بينها محل البوظة الشهير "بكداش" الذي صمد رغم الحرب، ولا يزال مكتظًا كما كان قبلها. الحكومة الجديدة تُظهر حضورها في كل مكان، وجنود هيئة تحرير الشام يراقبون النظام العام، وغالبًا ما تكون وجوههم مغطاة.
في مساحة فنية تقع في حي باب توما المسيحي بدمشق، التقى كادور بمجموعة من الشباب تضم أيضًا علويين. الفنانون هناك يخشون أن يكون عملهم مهددًا في ظل حكومة مستوحاة من الإسلاميين. هل ستتمكن مراكز الفن من الاستمرار في الوجود؟ كما طُرحت مسألة الشمولية الدينية: فقد عبّر رئيس الكنيسة الملكية الكاثوليكية اليونانية في المدينة القديمة بدمشق عن أمل حذر في أن يتمكن المسيحيون، الذين نجوا من دكتاتورية الأسد، من العيش أيضًا تحت حكم الشرع. ومن دمشق، انتقلت كادور إلى مدينة جرمانا، وهي مدينة يغلب عليها الطابع الدرزي والمسيحي، حيث التقت بمجموعة من الشباب الدروز وتبادلت الحديث معهم. وكان أكبر هواجسهم أن يُهمّش صوت الشباب السوري خلال مرحلة الانتقال السياسي. فهم يطالبون قبل كل شيء بفرص مستقبلية ووظائف، لكنهم يشعرون بأن الشرع لا يأخذ مطالبهم على محمل الجد. من أكثر المحطات المؤثرة في رحلتها كان زيارتها لسجن صيدنايا سيئ السمعة. هناك، وبدعم من الخوذ البيضاء، التقت كادور بسجينَين سابقَين، كانت قصصهما عن التعذيب والرعب والظروف اللاإنسانية شاهدة على حجم الفظائع. أحد الرجلين رأى ابنته للمرة الأولى بعد 13 عامًا من الاعتقال وكانت تبلغ من العمر يومًا واحدًا فقط عند توقيفه، والآن أصبحا غريبين عن بعضهما. شددت كادور على أن وحشية نظام الأسد قد كسرت المجتمع بشكل منهجي، وكانت الصدمة واضحة في وجهي الرجلين.
رغم تحذيرات الجهات الأمنية الألمانية من القيام بهذه الرحلة، قررت السيدة كادور التوجه إلى الشمال على أي حال. برفقة موظفين من الأمم المتحدة، وصلت إلى حلب وواجهت مدينة مدمرة. القلعة الشهيرة، وأطول سوق مسقوف في العالم سابقًا، والحي الأرمني – جميعها تضررت بشدة أو دُمّرت بالكامل. كما يعاني قطاع التعليم أيضًا: العديد من المدارس لم تعد صالحة للاستخدام، وآلاف الأطفال تُركوا دون تعليم. ومع ذلك، تُشكّل إحدى المدارس القليلة المتبقية وهي مشروع تابع لليونيسف بصيص أمل في هذا المشهد القاتم.
في إدلب، زارت كادور أيضًا مركزًا مجتمعيًا للاجئين يقدّم الطعام، والدورات التدريبية، والإرشاد المهني. العديد من هذه العائلات كانت قد لجأت في البداية إلى لبنان أو تركيا، لكنها عادت بسبب ما تعرّضت له من تمييز، لتجد نفسها لاجئة داخل وطنها، في ظل بنية تحتية مدمرة وانعدام أبسط مقوّمات الحياة. لقاء مهم آخر أجرته كادور كان مع ثلاث محاميات. فقد كانت إحدى أولى قرارات الحكومة الجديدة حظر عمل النساء في المجال القانوني، وهو ما دفع النائبة إلى الإصرار على الاستماع إلى وجهات نظرهن. ورغم صعوبة الأوضاع، أبدت النساء الثلاث عزيمة قوية واستعدادًا للنضال. أكدن أنهن لن يخضعن لأي دكتاتورية، وأنهن يعملن بالفعل على صياغة دستور جديد. وأوضحن أن التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية في سوريا أمر غير مقبول بالنسبة لهن، وأنهن مصممات على منع حدوث ذلك في ظل حكم الشرع.
بعد المحاضرة تحولت الفعالية إلى نقاش حول الوضع السياسي والتطورات المحتملة في المستقبل. ومن بين المحاور التي أُثيرت كانت مسألة الجهات الفاعلة التي وقفت وراء سقوط الأسد. عرضت كادور عدة عوامل، من بينها أحداث 7 أكتوبر 2024، والعمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان وسوريا. وأوضحت أن إضعاف حزب الله وجّه ضربة حاسمة للأسد، إذ كانت قواته تعتمد على دعمه بشكل كبير. ومع توقف الرواتب وتزايد إحباط الجنود، كان هناك ضعف واضح في مقاومة صعود الشرع. كما أشارت إلى أن روسيا لم تعد قادرة على دعم الأسد كما في السابق، بسبب استنزاف مواردها العسكرية والاقتصادية نتيجة حربها في أوكرانيا. ومن جانبها، كانت تركيا مهتمة بصعود الشرع، وقدّمته بدعم مباشر بهدف إقامة قاعدة عسكرية في جنوب سوريا. أما قطر والسعودية، فهما أيضًا معنيتان باستقرار الحكومة الجديدة وتستثمران بكثافة في جهود إعادة الإعمار.
فيما يتعلق بموقف الشرع، أوضحت كادور أنه لم يحسم موقفه بشكل واضح بعد. فهو يدرك أن إقامة نظام إسلامي بحت غير قابل للتنفيذ، لكنه لا يستطيع أيضًا تجاهل الإسلاميين، لأنهم يشكلون جزءًا كبيرًا من ميليشيات هيئة تحرير الشام. وأضافت أن داخل الهيئة نفسها توجد ميليشيات متعددة أخرى يحاول الشرع السيطرة عليها، لكنه يواجه صعوبات في ذلك.
ورغم أن هناك مؤشرات على تحركه باتجاه الغرب، إلا أن موقفه النهائي لا يزال غير واضح، ومن المبكر الحكم على التوجه الذي سيتبناه في المستقبل. وفي هذا السياق، عُقدت في 24 فبراير 2025 "مؤتمر الحوار الوطني السوري" لمناقشة المرحلة الحكومية الجديدة والدستور المرتقب. إلا أن المؤتمر واجه انتقادات واسعة، إذ لم تُمثَّل فيه تعددية المجتمع السوري بشكل كافٍ، ما أثار تساؤلات حول مدى شمولية العملية السياسية ومصداقيتها في أعين مختلف الفئات والطوائف السورية. وفي الختام، شددت السيدة كادور على أن الوضع في سوريا هش للغاية، قائلة:
"شرارة صغيرة فقط، وقد تشتعل شرارة جديدة في صفوف المجتمع المدني."
ودعت المجتمع الدولي إلى مواصلة دعم سوريا من خلال تعزيز المساعدات الإنسانية، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على التنوع كقيمة محورية يجب صونها وتعزيزها في عملية إعادة الإعمار.